الألعاب الإلكترونية: نعمة أو نقمة؟
إن كنتِ أمّاً في عصر تكنولوجيا المعلومات هذا، فالاحتمال الكبير بأن يكون طفلكِ قد لعب، يلعب أو سيلعب بالألعاب الإلكترونية.
والمعروف عن هذه الألعاب التي تُضيّع الوقت أنّها محبوبة من قبل الأطفال ومكروهة من قبل الأهل. إذ برأي هؤلاء، الألعاب الإلكترونية عنيفة، عدا عن أنّها تؤخّر نمو الأطفال اجتماعياً وتُلهيهم عن واجباتهم المدرسيّة... إلا أنّ استخدامها والكومبيوتر في الحقل التربوي والتعليمي زاد من شرعيّتها وجعل منها وسيلةً بفوائد عديدة، دعينا نذكر لكِ في ما يلي الأبرز بينها:
تحسين المهارات الإدراكيّة
أوّل ما يكتشفه اللاعب بأيّ لعبة إلكترونية هو أنّ اتباع التعليمات بالحذافير أمر غاية في الأهمية. ولأجل التقدم في مسار اللعبة، عليه أن يتعلّم اتباع الإرشادات والالتزام بالقواعد والقيود. وفيما تتوالى عليه التحديات، يتعلّم كيفية إيجاد الحلول للمشاكل التي تعترض سبيله. وفي إطار الألعاب التعليمية والذهنية وألعاب تبادل الأدوار تحديداً، لا يحقّ للاعب أن يتخطى العراقيل ويُحقّق مستوىً جديداً بما لديه أو يعرفه، ما يحتّم عليه استحداث خلطات وإضافة مهارات جديدة إلى مهاراته القديمة. وانطلاقاً ممّا سبق ذكره، يجوز للنظام التعليمي الجديد أن يعتمد على الألعاب الإلكترونية لتعليم الأجيال الصاعدة بدلاً من المنهج التقليدي القائم على الإخبار. فمن خلال الألعاب الإلكترونية، يُمكن للتلميذ أن يطوّر قدرته على التخطيط والترقب وإدارة الموارد، ويتعلّم كيفية التصرّف في ظروف معيّنة، ويتمرّس على القراءة والحسابات الكميّة.
وبفضل هذه الألعاب أيضاً، يمكن للتلميذ أن يتعلّم كيفية القيام بمهام متعددة في الوقت نفسه، إذ كلّما زادت اللعبة تعقيداً، كثرت الأهداف التي ينبغي عليه الوصول إليها فيما يُحاول تتبع كل العناصر المتغيّرة وربط الأفكار ببعضها البعض.
عدا ذلك، تُسهم الألعاب الإلكترونية في تحفيز اللاعب على التفكير السريع. وبحسب الدراسات ذات الصلة، فإنّ الأشخاص الذين يُمارسون الألعاب الإلكترونية يتكفيّون بشكلٍ أفضل مع البيئة المحيطة بهم ويُصبحون أقدر على رصد أصدقائهم وسط حشدٍ كبير من الناس وأقدر على القيام بمهام يومية مختلفة، كالقيادة وقراءة الأحرف الصغيرة.
هذا ويمكن للألعاب الإلكترونية أن تُساعد اللاعب في اتخاذ القرارات الصحيحة على أرض الواقع. كما يُمكنها أن تُعزّز قدرته على التنسيق بين حركة العين واليدين، وتُطوّر مهاراته الحركية الدقيقة وتفكيره المكاني. ففي ألعاب إطلاق النار مثلاً، وفيما يُحاول اللاعب في وقتٍ واحد تتّبع موقعه واتجاهه وسرعته وأهدافه والنتائج التي يحققها، يتدرّب دماغه على معالجة كلّ المعلومات والتنسيق مع يديه لإتمام التحركات عبر جهاز التحكم أو لوحة المفاتيح؛ مهارات لا بدّ أن يستفيد منها على أرض الواقع.
التشجيع على ممارسة الرياضة
بفضل الألعاب الإلكترونية الرياضية، يُمكن للاعبين (بخاصة الصبيان منهم) أن يتعلّموا حركات جديدة يتمرّسون عليها في ملاعب كرة السلة أو على ألواح التزحلق، كما يمكن أن يتعرّفوا على رياضات جديدة تستهويهم ممارستها على أرض الواقع.
التحفيز على مشاركة فرحة التنافس
من الطبيعي لا بل من الصحيّ أن يتنافس الأطفال (الصبيان بشكلٍ خاص) فيما بينهم ويحاولوا تضليل بعضهم البعض سعياً للربح. ولعلّ الألعاب الإلكترونية هي البيئة الأكثر أماناً وملاءمة للمنافسة ومنح الأطفال غير الرياضيّن فرصةً للتميّز.
منح كل طفل فرصته ليكون قائداً
حين يلعب الأطفال ألعاباً إلكترونية كمجموعة، يتناوبون فيما بينهم على تولي القيادة وتنفيذ الأوامر، آخذين في الحسبان مهارات كلّ واحد منهم، غير مكترثين لعمر مَن سيكون القائد طالما أنه الأقدر بينهم على تحقيق النصر للمجموعة.
جمع الطفل بأهله
مع تحسين أنظمة بعض الألعاب الإلكترونية لتصبح أكثر ملاءمةً للاعبين المبتدئين، بات بإمكانكِ أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن تشاركي طفلك اللعبة نفسها وتقضي برفقته وقتاً ممتعاً. فممارسة الألعاب الإلكترونية جنباً إلى جنب يُشجّع على تبادل أطراف الحديث، الأمر الذي يمكن أن يُحفّز طفلك على مشاطرتك همومه والانتصار عليك.
تعزيز النشاط الاجتماعي
على عكس الأهل، يرى الأطفال في الألعاب الإلكترونية نشاطاً اجتماعياً يُقرّبهم من أقرانهم، كونها تتيح لهم فرصةً للعب وبناء الصداقات وتمضية الأوقات المنظّمة مع الأصدقاء. إشارة إلى أنّ ما يجعل هذا النوع من الألعاب ممتعاً بنظر الناس عموماً، انطواؤها على درجة مناسبة من التحدي، ومنحها اللاعب دافعاً ودوراً تفاعلياً على عكس مشاهدة التلفزيون، وتطلّب العديد منها تناسقاً على مستوى اللعب والشؤون اللوجيستية ومزاملة وتفاعلات متكررة بين أفراد الفريق الواحد.
على الرغم من كلّ ما سبق ذكره من إيجابيات، يُمكن للألعاب الإلكترونية أن تشكّل نقمة على الأطفال جراء ما تنطوي عليه من سلبيات:
التشجيع على العنف
يميل الأطفال الذين يلعبون ألعاباً إلكترونية عنيفة إلى الأفكار والمشاعر والسلوكيات العدائية وتقلّ لديهم النخوة لمساعدة الغير، سيما أنّ قيمة مكافأتهم في بعض الألعاب تزيد مع ازدياد تصرفاتهم عنفاً وسوءاً.
التشجيع على العزلة
يتمثّل الجانب السلبي الآخر للألعاب الإلكترونية في كونها تأخذ الكثير من وقت الطفل وتحلّ محلّ النشاطات والرياضات الخارجية. كما أنها تؤثر سلباً في حياته الاجتماعية، بحيث تخفّف من همّته ورغبته في الخروج من المنزل ومنافسة أقرانه في نشاطات لاصفيّة، وتمنعه من الالتقاء بأناس جدد وتكوين صداقات جديدة. هذا ويمكن لتمضية الطفل الكثير من وقته في اللعب على الكومبيوتر أن يمنعه من القيام بنشاطات مهمة أخرى، على غرار الواجبات المدرسية والقراءة والرياضة والتفاعل مع الأسرة والأصدقاء.
إضعاف الأداء المدرسي
تفيد الدراسات أنّه كلما زاد الوقت الذي يمضيه الطفل مسمّراً أمام الألعاب الإلكترونية، تراجع أداؤه في المدرسة.
إضعاف القدرة على التركيز
في حين تُفيد بعض الدراسات أنّ الألعاب الإلكترونية تُعزّز قدرة الطفل على التركيز، تشير دراسات أخرى إلى أنّها تؤثر سلباً في الطفل وتُشتّت انتباهه، إذ إنّها تحسن قدرته على التركيز لفتراتٍ قصيرة في الوقت الذي تقضي فيه على قدرته على التركيز لفتراتٍ طويلة.
زيادة المخاطر الصّحية
يُمكن للألعاب الإلكترونية أن تؤثر سلباً في صحة الطفل، متسببةً له بالسمنة الزائدة أو نوبات الصرع الناتجة عن التعرّض المطوّل لشاشة الألعاب أو اضطرابات عضليّة وهيكليّة ووضعيّة، مثال التهاب الوتر والضغط العصبي ومتلازمة النفق الرّسغي.
زيادة الخطر على سلامة الطفل
أثناء ممارسة الطفل لألعاب إلكترونيّة عبر الإنترنت، من المحتمل أن يتعلّم من الآخرين كلمات سيئة وسلوكيات معيبة، كما ومن المحتمل أن يتعرّض لمخاطر عديدة متّصلة بالشبكة.
زيادة خطر الوقوع في الإدمان
يُمكن للطفل أن يُدمن على الألعاب الإلكترونية، وهذا النوع من الإدمان يزيد في الإجمال خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق المزمن.
الفتك بالمخيّلة والتواصل الاجتماعي
لا يحتاج الطفل إلى أن يكون هادئاً في قاعة الانتظار أو عند ركوب السيارة أو أثناء انتظار وجبته في المطعم، بل يحتاج إلى الاستغراق في أحلام اليقظة والتعامل مع مخاوفه وتدوير أفكاره ومشاركتها مع أهله.
الخلاصة والتوصيات
الألعاب الإلكترونية إذن مسألة مثيرة للجدل مثلها مثل أي مسألة أخرى في يومنا هذا، وما بين معدلات اللعب الصحية ومعدلات اللعب الزائدة عن حدّها، يبقى خير الأمور الوسط والتدقيق في الألعاب المتاحة واختيار الأنسب بينها.
وقد يكون قرار حرمان الطفل من الألعاب الإلكترونية مناسب لبعض العائلات، ولكنه قد لا يُناسب أخرى. إذ في البيئات التي تكثر فيها الألعاب الإلكترونية، يرى الأهل أنّ منع الألعاب بشكل كلّي سيعزل طفلهم اجتماعياً ويحرمه طعم الفرح وفرصة النمو المعرفي ربما. وصحيح أنّ فتح المجال أمام الطفل لممارسة الألعاب الإلكترونية، سيمنحه بعض الفوائد ولكنه سيُعرّضه أيضاً للعنف ويمنعه من القيام بنشاطات أخرى ويزيد خطر إصابته بالسمنة.
في الختام، من المهم التنويه إلى ضرورة تنبّه الأهل ومراقبتهم لأنواع الألعاب التي يُمارسها أو يتعرض لها طفلهم. وفي ما يلي السبيل لتحقيق هذه الغاية:
- راقبي الألعاب الاكترونية لطفلكِ بالطريقة نفسها التي تراقبين فيها مشاهداته التلفزيونية والأوقات التي يقضيها على الوسائل التكنولوجية الأخرى.
- قد تكون الألعاب الإلكترونية تجربة تعليمية ممتازة، لكن من الضروري أن تمنحي طفلك فرصة التعلّم من وسائل ترفيهية أخرى. وعليه، احرصي على أن يقرأ صغيركِ الكتب ويمارس الرياضة ويتفاعل مع أقرانه ويشاهد برامج تلفزيونية جيدة.
- لا تسمحي لطفلكِ بممارسة الألعاب الإلكترونية لأكثر من ساعة في اليوم، تلافياً لإصابته بأي ضرر.
- حاولي رصد تأثير الألعاب الإلكترونية في طفلك: راقبي تصرفاته جيداً وإن لاحظت أي تغيّر سلبي فيها، تدخلي سريعاً وامنعيه عن اللعبة التي يلعبها أو أعيدي النظر فيها.
- استعيني بتصنيفات الألعاب الالكترونية لتتعرفي أكثر على محتواها ومستوى العنف فيها.
ختاماً، لا تنسي ولو للحظةٍ واحدة أنّ تغذية طفلكِ مهمة أيضاً لنموّه الذهني والجسدي والسلوكي. ومن هذا المنطلق، فكّري في أن تقدّمي لصغيركِ حليب فورتيغرو المدعّم والجديد من نيدو، باعتباره غذاءً مثالياً لتحفيز النمو وتطوير المهارات، ومدّ الجسم بالعناصر الغذائية الأساسية والضرورية لزيادة الوعي وتحسين القدرات الذهنية (من بروتين وحديد وزنك وفيتامينات ب وفيتامين أ وفيتامين ج وكالسيوم وفيتامين د).